أنا "طفل فلسطيني" لا أعرف كيف أكون طفلا.. فماذا أفعل!

نصار إبراهيم في يوم الطفل الفلسطيني

 

 

قالوا لي بأن هذا اليوم، 5 نيسان هو "يوم الطفل الفلسطيني"، أي يومي أنا.. ولكنني في الحقيقة لم أفهم بالضبط ماذا يعني كل ذلك.

فأنا على ما أذكر قد لدت بين نكبتين، وعلى هامش مخيمين،  وبالصدفة نجوت من المجزرة الأخيرة.. وبالصدفة أيضا  نجوت من الغارة الأخيرة!.

ولدت بين رصاصتين، إحداهما أخطأتني والأخرى أصابت شقيقي..! نعم لقد كان لي يوما شقيق.. نعم.. هل تصدقون؟! لم تمنحني الرصاصة فرصة ومتعة أن أعرفه، أن نكبر معا، أن نشاكس بعضنا، أن نحب ذات الفتاة ربما، أن يساعدني في تعلم الأحرف الأولى، أن يصحح أخطائي الإملائية،  لهذا لا أعرف حتى اليوم معنى أن أكون طفلا!

دول كثيرة، مؤسسات كثيرة، اليونيسيف، أنقذوا الأطفال..  وغيرهم مئات المؤسسات،  يقولون لي، يقولون لنا،  نحن ندافع عن حقوق الأطفال،.. ويقولون لي، يقولون لنا، اطمئنوا نحن ندافع عن حقوق الأطفال وحقوق الإنسان.. ولكن لا نتدخل في السياسة.. أهلا.. أهلا..!

ولكنني فقدت طفولتي بسبب القرارات السياسية، والمعاهدات السياسية، والحروب السياسية والاحتلال السياسي، والاعتقال السياسي، والقتل السياسي، والاقتصاد السياسي، والعنف السياسي.. و.. و..

اعذروني فأنا لا زلت صغير السن كثيرا، ولكني لست طفلا بعد. ذلك لأنني لا أعرف كيف أكون طفلا..!

لا تريدون التدخل في السياسة، وتريدون بنبل وشهامة وكرم أن تدافعوا عن حقوقي كطفل فلسطيني.. حسن .. ولكن كيف؟ فقدت طفولتي منذ ستة عقود، قالوا لي أصبح عمرك الآن يوما،  ثلاث سنوات، 10 سنوات، 15 سنة، 25 سنة، ثلاثون، أربعون، شبت، شخت .. وها أنذا أدب على عصاي.... ولكن أين طفولتي؟ أريد يوما  أن أكون طفلا.. ولكن كيف؟ لا أعرف!

تدافعون عن حقوقي كطفل فلسطيني.. ومع ذلك لا تريدون التدخل في السياسة... فهل هذا ممكن؟! هل من الممكن أن تعود حقوقي الأولى.. بدون أن تقولوا للاحتلال إرحل.. فليس لك ما تفعله هنا.. دع هذا الطفل وشأنه، ليكبر كما يشاء، لينام كما يشاء، ليعش مع والده وأمه وشقيقه وشقيقته وابن عمه وجاره وصديقه كما يشاء..!!

أنا "طفل" فلسطيني لا أعرف كيف أكون طفلا فساعدوني! 

أنا طفل غطت مساحة طفولته المفترضة أصوات الرصاص والقذائف وهدير الدبابات والطائرات، وهدم المنازل، ونواح جارتنا على استشهاد أطفالها الأربعة،   قالوا لي بأن لي قرية على الطرف الآخر من الخط.... كثيرا ينادونني: هيه! أيها اللاجئ!  ما معنى ذلك؟

صار عمري ست سنوات، وهذا هو يومي الأول في المدرسة.. تسلقت الجدار فتقلعت أظافري..  بكيت.. خفت.. ناديت أمي.. سألت نفسي هل كل الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس يتسلقون الجدران  وتتقلع  أظافرهم مثلي..

قالت أمي أن جارتنا أنجبت "طفلا"  عند الحاجز..!!! كيف يكون طفلا عند الحاجز..؟ تابعت ليس هذا فقط، لقد جاؤا عند الفجر وأخذوا أبوه!  "أخذوه" ؟! إلي أين أخذوه؟ لا ندري! وهل علم أنه الآن أصبح والدا لطفل ولد عند الحاجز..!!!؟

يا الله..كيف أتعلم أن أكون طفلا.. من يعطيني الفرصة لأستعيد طفولتي التي سرقوها!! وهل يمكن استعادة طفولة ضاعت في لحظة من الزمن البعيد..

لم نعد قادرين على الاحتمال  أو الانتظار.. ولأن أحدا لم يتمكن من تعليمنا كيف نكون أطفالا، ولأننا نحب أن نكون أطفالا، ربما من باب الفضول ولكثرة ما سمعنا عن حقوق الأطفال عند شعوب أخرى، وعلى الفضائيات وفي المؤتمرات.. فقد أصابنا الفضول لكي نكون أطفالا.. فرحنا نشتبك بما تيسر لنا من وعي وقدرة وحجارة مع ذلك الذي يحول بيننا وبين طفولتنا التي حدوثنا عنها كثيرا.. كثيرا.. حتى اشتقنا لها..

أنا مشروع طفل فلسطيني.!

أما آن لهم أن ينصرفوا من  طفولتي ؟!

اتركوا طفولتي لي وانصرفوا!

وسأتعلم وحدي كيف أكون طفلا كما أريد!

Write a comment

Comments: 0